أصبح للابتكارات التقنية في عصر التكنولوجيا الرقمية الذي نعيشه، تأثير عميق على مختلف قطاعات الأعمال في العراق، ومن أوائل هذه القطاعات وربما أبرزها قطاع المطاعم. يشهد هذا القطاع تحولات هائلة مؤخراً بعد دخول التكنولوجيا التي لم تقتصر على تسهيل حياة الناس فقط بل أحياناً كانت سبباً في استبعاد العديد من المطاعم الشعبية من الساحة التجارية.
تضع تلك التحولات الرقمية المطاعم أمام خيارين، فإما أن تتكيف المطاعم سريعاً مع التغيرات أو أن تواجه خطر الاستبعاد. إذ يعتبر استخدام تطبيقات التوصيل وتقنيات الطلب عبر الانترنت من بين التطورات التي أخذ العديد من الزبائن الاعتياد عليها حتى أصبحت شيئاً يصعب الاستغناء عنه. ولكنها من جانب آخر قد وضعت عبئاً اضافياَ على كاهل العديد من أصحاب المطاعم الشعبية.
إن الهدف من هذا المقال هو تسليط الضوء على تأثير التكنولوجيا في إقصاء بعض المطاعم الشعبية، كما تكشف التحديات التي تواجهها تلك المطاعم والفرص التي قد تفتح أمامها حتى في ظل عدم التوغل في عالم التكنولوجيا المتقدم.
التحديات:
تتلخص التحديات التي تواجهها المطاعم الشعبية في ظل عدم استخدام التكنولوجيا بالنقاط التالية:
- تواجه المطاعم الشعبية في العراق عدة تحديات في ظل الانتشار المتزايد لتطبيقات التوصيل، حيث يفضل الزبائن طلب الطعام بسرعة وسهولة دون الحاجة الى الخروج من المنزل أو مكان العمل. ويشكل عدم مواكبة التكنولوجيا من قبل المطاعم الشعبية ضغوطاً تنافسية غير مسبوقة نظراً لاتجاه الزبائن نحو الطرق التي توفر لهم الكثير من الراحة والرفاهية.
- لا يعتبر استخدام تطبيقات التوصيل وسيلة لنقل الطعام فقط وإنما تعتبر أداة تسويقية قوية. حيث تشكل هذه التطبيقات منصة تسويقية فعّالة حيث تمكن المطاعم الوصول إلى شريحة واسعة من الزبائن الذين يبحثون عن تجربة تناول الطعام في المنزل أو في المكتب. كما يمكن للمطاعم استغلال هذه المنصات للتعريف بقائمتها وجذب انتباه العملاء الجدد، فقد حلت التطبيقات محل الإعلانات التجارية في التلفاز أو مواقع التواصل، فيمكن بسهولة التنقل والاختيار بين الكثير من المطاعم من خلال استخدام التطبيق.
- تفعيل نظام الخصومات والعروض الترويجية المغرية للمستهلكين من خلال التطبيق. حيث أدت خصومات المطاعم المقدمة عبر التطبيق إلى خلق تحديات جديدة، في تقديم تخفيضات جذابة عبر تلك المنصات يعمل على تحفيز الزبائن على الطلب عبر التطبيقات. ولا ننكر أن هذه التخفيضات قد أثرت على تصرفات المستهلكين وخلقت حاجة متزايدة.
- تواجه المطاعم الشعبية في العراق تحديًا كبيرًا في غياب خيارات الدفع الإلكتروني. يعد عدم وجود وسائل دفع إلكترونية كخيارٍ متاح مشكلة تعيق تجربة الزبون وتقلل من فعالية المطعم في مواكبة التطورات التكنولوجية خاصة في ظل انتشار مطاعم تعتمد بشكل كبير على هذه التقنية أما داخل المطعم أو من خلال تطبيقات التوصيل. أصبحت وسائل الدفع الإلكترونية ذات أهمية كبيرة مؤخراً خاصةً بعد جائحة كوفد-19. حيث تم تعزيز استخدام الدفع الإلكتروني لتقليل التلامس الاجتماعي. إن عدم توفر مثل هذا الخيار يمكن أن يكون عائقًا للعملاء الذين يفضلون الدفع بوسائل إلكترونية بدلاً من النقد.
تؤثر هذه التحديات على فرص التوسع والنمو للمطاعم. وهنا يتحتم على أصحاب المطاعم الشعبية النظر في تبني وسائل جديدة وفعالة لتحسين تجربة العملاء وتلبية توقعاتهم والحفاظ على ديمومة هذه المطاعم بالدرجة الأساس في عالم تتسارع فيه استخدام التكنولوجيا.
الفرص:
بالرغم من انتشار التكنولوجيا بشكل كبير ملموس واعتماد المطاعم المواكبة للحداثة عليها بشكل كبير وفعال غير أن المطاعم الشعبية الغير معتمدة على هذه التكنولوجيا مازالت تمتلك فرصًا قيمة مثل:
- تشكل المطاعم الشعبية في العراق نقطة اجتماعية وثقافية حيوية، حيث يمكن للعراقيين المغتربين والأجانب الاستمتاع بتذوق الطعام واستكشاف التراث الغني للمأكولات العراقية بطريقة فريدة من نوعها ومليئة بالذكريات والتجارب الثقافية.
- قد تستفيد المطاعم الشعبية من عدم اعتمادها على التكنولوجيا من خلال توفير أسعار منخفضة يمكن أن تكون نقطة جاذبية قوية لفئات واسعة من الزبائن، بما في ذلك الطلاب والعائلات ذات الدخل المحدود، مما يعزز قاعدة العملاء ويحقق النجاح التجاري.
- عدم وجود تكاليف تسويقية أو جمالية (ديكور) تعتبر فرصة مهمة للمطاعم الشعبية. فعدم الحاجة إلى استثمار مبالغ كبيرة في أنظمة الطلب عبر الإنترنت أو التكنولوجيا المتقدمة يمكن أن ينعكس ايجابياً على التكلفة الإجمالية للمطعم.
- ابتعاد المطاعم الشعبية عن المناطق التي تكون فيها التكنولوجيا مسيطرة يشكل ميزة اضافية فهو يبعدها عن التنافس ويساهم في استدامتها.
بهذه الطرق، تظل المطاعم الشعبية التي تتجنب الاعتماد الكبير على التكنولوجيا قادرة على الاستفادة من الفرص المتاحة في سوق المأكولات، وتقديم تجربة مميزة تتسم بالأصالة والاقتصاد.
الاقتراحات:
هناك عدة اقتراحات يمكن أن تُقدم لأصحاب المطاعم الشعبية في العراق غير المستعدين لاستخدام التكنولوجيا، قد تعزز هذه الاقتراحات أدائهم وتجذب المزيد من الزبائن. إليك بعض الأفكار:
- التسويق الكلاسيكي: ويتم عن طريق الاعتماد على طرق التسويق التقليدية مثل اللافتات، وتوزيع النشرات أو الإعلانات المحلية. نسبة المطاعم التي تعتمد التسويق الكلاسيكي هي 50 % (أكثرها تستخدم اللافتات) تقريبا من النسبة الكلية للمطاعم الشعبية.
- توسيع ساعات العمل: ويتم ذلك عن طريق تمديد ساعات العمل لتشمل العمل لمدة 24 ساعة (5% من المطاعم الشعبية فقط تعمل على مدار 24 ساعة ).
- البحث عن الأصالة: يمكن للمطاعم الشعبية أن تجد فرصًا في الابتعاد عن التكنولوجيا من خلال التركيز على القيمة الثقافية والاجتماعية لتجربة تناول الطعام. يمكن أن يكون هذا جذابًا للعملاء الباحثين عن الأصالة والتفاعل البشري.
التوقعات:
هنالك عدة توقعات في ما يخص توقع مستقبل المطاعم الشعبية غير المعتمدة على التكنولوجيا في العراق، وهي كالآتي:
- في سنة 2025 سينخفض عدد المطاعم الشعبية غير المعتمدة على التطور التكنولوجي بنسبة 30% مما يؤدي بالتالي الى صعوبة في استدامة هذه المطاعم الشعبية. علماً أن نسبة المطاعم الشعبية في العراق حالياً هي 60%.
- ستظهر بعد (2-5) سنوات عدة مطاعم هجينة ذات طابع شعبي تراثي قديم مواكبة للتطور التكنولوجي في قطاع المطاعم مما سيخلق فئة جديدة من المطاعم المنافسة للمطاعم الشعبية والحديثة وسيخلق كذلك فئة جديدة من الجمهور.
- عند الوصول لسنة 2025 سيتم تضييق الخناق على المطاعم الشعبية في معقلها الذي يتمثل بالمناطق غير المركزية من خلال الزحف الذي تؤديه المطاعم والوكالات الجديدة المعتمدة على التطور التكنولوجي الحديث.
في ختام النقاش حول عدم استخدام المطاعم الشعبية للتكنولوجيا في العراق، يتضح أن هناك تحديات وتبعات تؤثر على هذا القطاع. على الرغم من أن الاعتماد على الطرق التقليدية قد يحمل قيمًا ثقافية وتاريخية، إلا أنه يصاحبه تأثيرات سلبية في عصر تطورت فيه العمليات التجارية وتفضيل العديد من العملاء التجارب الحديثة. تشمل هذه التأثيرات فقدان الفرص لتحسين الكفاءة وتوسيع قاعدة العملاء والتكامل مع التطورات التكنولوجية. في ظل التنافس المتزايد وتغير تفضيلات العملاء، قد يكون من الضروري على أصحاب المطاعم الشعبية في العراق بذل المزيد من الجهد للتميز وجذب العملاء والتفكير في استكشاف بعض الحلول التكنولوجية المبسطة والمتناسبة مع هويتهم الثقافية لتحقيق التوازن بين الحفاظ على التقاليد وتلبية توقعات السوق المتغيرة.
تمت كتابة هذا المقال من قبل شركة Data Ship الرائدة الأولى والمتخصصة في تقديم خدمات أبحاث السوق في القطاع الخاص العراقي استناداً على بحث سوق واستطلاعات قد قامت بها بالشكل التالي:
- 3000 عينة من المطاعم.
- 1000 استطلاع مع جمهور المطاعم.
- 300 استطلاع مع اصحاب المطاعمز